السبت

ابن ملكا البغدادي


ابو ملكا الغدادي (480-560هـ / 1087 -1165م) أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي، طبيب وفيلسوف اشتهر في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي. لقب بأوحد الزمان، وعرفه عامة الناس باسم البلدي. ولد ونشأ بالبصره، ثم سافر إلى بغداد وعمل في قصور الخليفتين العباسيين المقتدي، والمستنصر ، وحظي بمكانة عظيمة، حتى لقب بفيلسوف العراقيين في عصره.

حياته :

ولد ابو ملكا البغدادي في أسرة من أصل يهودي وترعرع بين آل ملته ولكنه اعتنق الاسلام وتفقه فيه حتى صار حجة وصار فيه مقدمة علماء المسلمين في العلوم التطبيقية . زكان سبب إسلامه أنه دخل يوما إلى الخلفية المستنجد بالله، فقام جميع من حضر إلا قاضي القضاة كان حاضرا ولم مع المجموعة لكون ابن ملكا ذميا،فقال يا أمير المؤمنين إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير ملته، فأنا أسلم بين يدي مولانا، ولا أتركه ينتقصني بهذا وأسلم. وقد كان لابن ملكا البغدادي اهتمام كبير بالطب في صغره، حتى إنه صار يجلس عند باب كبير الأطباء في زمانه وهو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسين يستمع لشرحه لطلابه كي يتعلم مهنة الطب. وكان الحسن من المشايخ المتميزين في صناعة الطب، وكان له تلاميذ عدة يأتون إليه كل يوم للقراءة عليه، وكان يرفض أن يحضر مجلسه يهوديا أصلا. وكان ابن ملكا يريد أن يجتمع به، وأن يتعلم منه، وحاول ذلك بكل الطرق، فلم يقدر على ذلك. فكان يتخادم للبواب الذي له، ويجلس في دهليز الشيخ بحيث يسمع جميع ما يقرأ عليه، وما يجري معه من البحث، وهو كلما سمع شيئا تفهمه وعلقه عنده. وذات مرة كان الشيخ الكبير يناقش مسألة مع طلبته محاولا الحصول على الإجابة، فصعب ذلك على الشيخ وعلى تلاميذه. وبقوا مدة يتداولون هذه المسألة واحدا بعد الآخر حتى ألهم الله سبحانه ابن ملكا حل هذا المشكلة. فلما كان بعد مدة سنة أو نحوها. جرت مسألة عند الشيخ، وبحثوا فيها فلم يعثروا لها عن جواب وبقوا متطلعين إلى حلها. فلما تحقق منها أبو البركات، دخل وخدم الشيخ، وقال: يا ، عن أمر مولانا أتكلم في هذه المسألة؟ فقال: قل إن كان عندك فيها شيء فأجاب عنها بشيء من كلام جالينوس، وقال:- يا ، هذا جرى في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني، في ميعاد فلان، وعلق بخاطري من ذلك اليوم. فبقي الشيخ مستعجبا من ذكائه وحرصه، وطلب منه أن يخبره عن الوضع الذي كان يجلس فيه ويستمع إلى هذه الدروس، فأعلمه به. فقال: من يكون بهذه المثابة ما نستحل أن نمنعه من العلم، وقربه من ذلك الوقت، وصار من أجل تلاميذه. ولقد اشتهر ابن ملكا البغدادي بجرأته في مداواة المرضى، فكان لا يتردد في أخذ القرارات في إجراء العمليات الجراحية الخطيرة، كما كان ينصح طلابه بأن الطبيب الناجح إذا اقتنع بأن ليس لديه حل بديل عن إجراء العملية الجراحية، فإنه لا يجب أن يعطي المريض الانطباع في أنه ليس مقتنعا، حتى لا يجعل المريض متخوفا، وربما يقوده تخوفه إلى صعوبة شفائه .


اقواله واحكامه : 

الحق يقال، إن لكل واحد في الناس له في حياته إيجابيات وسلبيات، ولم يبلغ أحد درجة الكمال إلا الأنبياء، لذلك أُخذت على ابن ملَكا بضعة مآخذ، أخذت عنه قبل إسلامه، منها كبرياؤه وقد وصفه بعضهم شعراً في ذلك..، لكن الإسلام صقل شخصيته وغسل كبرياء نفسه فاتصف بالصفات الحميدة المنتظرة من العلماء العاملين المخلصين. وقد أجمع المؤرخون الذين كتبوا عنه أنه من العلماء الذين يفخر تاريخ الإسلام بنصاحهم المفيدة، والتي صار العلماء يتناقلونها واحداً بعد الآخر، ومن هذه النصائح والتي أوردها البيهقي في كتابه (تاريخ حكماء الإسلام) قوله:

·         ـ الخطيب هو الذي تصدر عنه الخطابة، ومن شرطه أن يكون متنسكاً متعسفاً فصيحاً بليغاً، يقدر على استمالة السامعين واستدراجهم، ويعرف أخلاق الناس، ويكلمهم على قدر عقولهم.

·         ـ الخير الحقيقي أربعة (العفة، الشجاعة، الحكمة والعدالة).
·         ـ سعادة الدنيا لطف الحواس.
·         ـ الشهوات أجر تستخدم بها النفوس في عمارة عالم الطبيعة لتذهل عما يلزمها من التعب، ويلحقها من الكلال، فأعلمها في ذلك أخسّها، وأزهدها أحسها.

أنواع الحركة :

يشير ابن ملكا إلى نوعين من الحركة، هما الحركة الطبيعية والحركة القسرية. حيث يقول: “… فإن الحركة أما طبيعية وإما قسرية،
والقسرية يتقدمها الطبيعية، لأن المقسور إنما هو مقسور عن طبعه إلى طبع قاسره، فإذا لم يكن حركة بالطبع لم يكن حركة بالقسر،
والطبيعية إنما تكون عن مباين بالطبع إلى مناسب بالطبع، أو إلى مناسب أنسب من مناسب..”. “يقصد ابن ملَكا بالحركة الطبيعية
حركة الجسم تحت تأثيره قوة الجاذبية الأرضية، حيث أن الجسم يسعى في طلب وضعه الطبيعي عند مركز الأرض، ومن ثم جاءت
تسمية هذا النوع من الحركات عن تعريض الجسم لمحرك خارجي يجبره على تغيير مكانه أو وضعه مثال ذلك رمي السهم أو الحربة
أو الحجر”. ويؤكد ابن ملَكا هذه المعاني في موضع آخر من كتابه فيقول: “فبهذا يعلم أن لكل جسم طبيعي حيزاً طبيعياً، فيه يكون
بالطبع، وإليه يتحرك إذا أزيل عنه، وهذا الحيز ليس هو للجسم بجسميته التي لا يخالف بها غيره من الأجسام، بل بصفة خاصة به
هي طبيعية فقوة أو صورة خاصة بذلك الجسم، خصته بذلك الحيّز، وحركته إليه، فتلك الطبيعة الخاصة في ذلك الجسم مبدأ حركة
بالطبع وسكون بالطبع، والتحريك النقلي المكاني إنما يكون عنها بعد سبب طارئ يخرج الجسم عن حيزه الطبيعي، فتحركه هي إليه”.
يوضح ابن ملكا في هذا النص سمات الحركتين الطبيعية والقسرية، كما أنهيشير  إلى وجود خاصية مدافعة الجسم عن بقائه على
حاله، وهي بعض معاني القانون الاول للحركة، أو على وجه أصح قانون ابن سينا في الحركة والسكون.

كمية الحركة: كتب ابن ملكا عن حركة التساقط الحر للجسم تحت تأثير قوة جذب الأرض له. وأشار إلى أن حركة الجسم تتزايد في 
السرعة كلما أمعن الجسم في سقوطه الحر، بحيث أن تأثيره يشتد مع طول المسافة المقطوعة، يقول ابن ملكا: “  فإنك ترى أن مبدأ
الغاية كلما كان أبعد، كان آخر حركته أسرع، وقوة ميله أشد، وبذلك يشج ويسحق، ولا يكون ذلك له إذا ألقي عن مسافة أقصر، بل
يبين التفاوت في ذلك بقدر طول المسافة التي يسلكها..” يقول”هذا قول صحيح تماماً إذا إن سرعة الجسم الساقط سقوطاً حراً (أي
تحت تأثير الجاذبية الأرضية فحسب) تتزايد بحسب المسافة التي يهبطها الجسم، وبالتالي فإن كمية حركية  (وقد عبر عنها ابن ملكا
بقوة الميل) تزيد ويشتد تأثيرها، فالحجر الساقط من علٍ كلما كان موضع بدء هبوطه أعلى كلما كانت شدة وقعه أقسى، فيشج ويسحق
على حد تعبيره”. التساقط الحر للأجسام: وقف علماء العرب والمسلمين على حقيقة تساقط الجسم تساقطاًحراً تحت تأثير قوة جذب
الارض، متخذاً في ذلك أقصر الطرق في سعيه للوصول إلى موضعه الطبيعي، وهوالخط المستقيم. وفي هذا الشأن يقول ابن ملكا:
“فكل حركة طبيعية فعلى استقامة”، ويقول في موضع آخر: “..ثم سماء بعد سماء، كل في حيزه الطبيعي، إلا أن هذه التي تلينا تسكن
في أحيازها الطبيعية، وتتحرك إليها (إذا أخرجها مخرج عنها) حركة مستقيمة تعيدها في أقرب مسافة إليها على ما يرى..”. كذلك
أيقن ابن ملكا أنه لولا تعرض الأجسام الساقطة سقوطاً حراً  لمقاومه الهواء لتساقطت الأجسام المختلفة الثقل والهيئة بنفس السرعة.
وبذلك يكون ابن ملكا أول من نقض القول المأثور عن أرسطو طاليس بتناسب سرعة سقوط الأجسام مع أثقالها، وهو قول خاطئ
تماماً، فيكون ابن ملكا قد حقق سبقاً أكيداً في مجال حركة الأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية قبل جاليلو جاليلي (1564 ـ
1642م) بحوالي خمسة قرون من الزمان. ويقول ابن ملكا: ” وأيضاً لو تحركت الأجسام في الخلاء، لتساوت حركة الثقيل والخفيف،
والكبير والصغير، والمخروط المتحرك على رأسه الحاد، والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة، في السرعة والبطء، لأنها
تختلف في الملء، بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيره..”.  

القانون الثاني للحركة : لعل أقرب ما توصل إليه علماء العرب والمسلمين من معاني ما تعارفنا على تسميته  بالقانون الثاني للحركة.
هو قول ابن ملكا: “وكل حركة ففي زمان لا محالة، فالقوة الأشدّية تحرّك أسرع، وفي زمان أقصر، فكلما اشتدت القوة ازدادت
السرعة، فقصر الزمان، فإذا لم تتناه الشدة لم تتناه السرعة، وفي ذلك أن تصير الحركة في غير زمان وأشد، لأن سلب الزمان في
السرعة نهاية ما للشدة”. يشير ابن ملكا في هذا النص إلى أن سلب الزمان في السرعة نهاية ما للشدة، كما قال د. الدفاع، “فابن ملكا
لم يقل سلباً لزمان في قطع المسافة (ويعني ذلك زيادة السرعة، حيث السرعة تساوي المسافة مقسومة على الزمان”، وإنما قال سلب
الزمان في السرعة، وهذه إشارة إلى التسارع  (أو العجلة) حيث التسارع يساوي السرعة مقسومة على الزمان (أو هي على وجه
الدقة معدل تغير السرعة بالنسبة للزمن). ويتضح من هذه المعاني أن ابن ملكا يشير إلى تناسب القوة مع تغير السرعة بالنسبة للزمن،
وهذا معنى قريب جداً من القول بتناسب القوة مع التسارع. 

القانون الثالث للحركة : يشير ابن ملكا إلى القانون الثالث للحركة  في قوله: “إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من 
المتجاذبين في جذبهما قوة مقاومة لقوة الآخر، وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه يكون قد خلت من قوة جذب الآخر، بل تلك القوة
موجودة مقهورة، ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب”. وهذا قول واضح في أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار 
ومعاكس له في الاتجاه، فالحلقة التي أشار إليها في المثال ما هي إلا جسم في حالة اتزان تحت تأثير قوتين متساويتين مقداراً 
متعاكستين اتجاها


المصادر :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق